عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

وقد تقدّم. وأنشدوا قول الشاعر ، هو «دريد» (١) : [من الطويل]

فقلت لهم : ظنّوا بألفي مدجّج

سراتهم في الفارسيّ المسرّد

أي أيقنوا بهم ، لأنّ المقام يقتضي ذلك (٢).

فصل الظاء والهاء

ظ ه ر :

قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ)(٣) أي تعاونا. يقال : ظاهرته أي عاونته. قال تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ)(٤) أي عاونوهم. وأصل ذلك من الظهر الذي هو الجارحة ، لأن المعاون يساعد صاحبه بجوارحه وأقواها ظهره. ثم جعل عبارة عن كلّ معاونة وإن كانت بغير الظهر حتى باللسان. قوله : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً)(٥) أي معينا ،

__________________

(١) هو دريد بن الصمة القشيري ، وبيته من داليته الشهيرة (الديوان : ٤٧). وصدره فيه :

علانية : ظنّوا بألفي مدجّج

ورواية الأصل على رواية اللسان ـ مادة ظنن.

(٢) جاء في هامش ح الورقة ٢٢٨ : «قال الدّيري في شرح المنهاج : الظن في الشرع ينقسم إلى واجب ومندوب وحرام ومباح ؛ فالواجب : حسن الظن بالله ، والحرام : سوء الظن به وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين. وعلى هذا يحمل قوله «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» أي الظن بالمسلم من غير سبب. والمندوب : حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين ، والجائز كقول الصدّيق لعائشة رضي الله عنهما : إنما هذا أخواك وأخياك. فاستجاز الظن لما وقع في قلبه ... ومن هذا القسم الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث فلا يحرم سوء الظن به لأنه قد دلّ على نفسه ، فمن ستر على نفسه لم يظن به إلا خيرا. ومن دخل مداخل السوء اتهم. روى الترمذي في شرح هذا الحديث عن سفيان أنه قال : ظن أثم ، وظن ليس باثم ، فالأول الذي يظن ظنا يتكلم به ، والذي ليس باثم الذي يظن ولا يتكلم به. قال : والخطأ في المحرم من الظن ما يصر صاحبه عليه ويستمر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر. جواهر العقد».

(٣) ٤ / التحريم : ٦٦.

(٤) ٢٦ / الأحزاب : ٣٣.

(٥) ٥٥ / الفرقان : ٢٥.

٢١

يعني أنّه بمنزلة المعين للشيطان على الرحمن من حيث طاعته له وعصيانه لربّه. وقيل : إنّ معناه هين أي وكان هيّنا عليه. قال أبو عبيدة : الظّهر : المظهور به ، أي هينا على ربّه كالشيء الذي خلّفته من قولك : ظهرت بكذا أي خلّفته.

قوله : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا)(١) أي غير معتدّ به ولا ملتفت إليه ، وهو ما تجعله بظهرك فتنساه ، وأصله من قولهم : بعير ظهريّ ، أي معدّ للركوب. قوله : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ) و (يَظْهَرُونَ)(٢) أي يشبّهون [ظهور] أزواجهم بظهر أمهاتهم ، فيقولون : «أنت عليّ كظهر أمي» (٣) وكان طلاقا في الجاهلية فغيرّ الشارع حكمه ، ثم اتّسع الفقهاء فيه فقالوا : أن يشبّه زوجته بعضو من أعضاء محارمه الإناث بتفصيل مذكور في كتب الفقه. وقد سماه الله تعالى : (مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً)(٤) وأوجب به الكفارة العظمى التي نصّ عليها.

والظّهور : ضدّ الخفاء ؛ قال تعالى : (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ)(٥) أي بدا ما وعد الله به رسوله والمؤمنين من النصر ، وفشا دين الإسلام. وأصل ذلك من حصول الشيء على وجه الأرض ، / وضدّه بطن أي حصل في بطنان الأرض فخفي (٦) ، ثم صار مستعملا في كلّ بارز للبصر والبصيرة. وقوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٧) أي يعلمون الأمور الدّنيوية دون الأخروية. ثم إنهم لا يعلمون من تلك الأمور إلا ظاهرها دون باطنها. ولو علموا ذلك لا تّضح لهم الحقّ وبان ضدّه. وقولهم : علم الظاهر وعلم الباطن ، يشيرون

__________________

(١) ٩٢ / هود : ١١.

(٢) ٢ / المجادلة : ٥٨. قرأ أبي «يتظهّرون». و «يظّهّرون» قراءة قتادة والحسن ونافع. و «يظّاهرون» يحيى والأعمش وحمزة وبعض أهل الحجاز. وقرأها عاصم والسلمي «يظاهرون» (مختصر الشواذ : ١٥٣ ـ معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٣٨).

(٣) وهو طلاق الظّهار. ويقولون كذلك : «هي عليّ كظهر ذات رحم». كانت العرب تطلق نساءها بهذه الجملة. فلما جاء الإسلام نهوا عنه وأوجبت الكفارة على من ظاهر امرأته ، وأصله مأخوذ من الظهر (اللسان ـ ظهر).

(٤) ٢ / المجادلة : ٥٨.

(٥) ٤٨ / التوبة : ٩.

(٦) وفي س : فيخفى.

(٧) ٧ / الروم : ٣٠.

٢٢

بهما إلى المعارف الجليّة والمعارف الخفيّة. وقد يشيرون بهما إلى العلوم الدنيوية والأخروية. قوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(١) أي بدا وفشا ، أي ولم يتكتّمه لكثرة مخالطتهم إياه. وقيل : ظهوره في البرّ أن قتل قابيل هابيل ، وفي البحر أن غصب الجلندى سفينة المساكين ، وهذا مثال من الأمثلة.

قوله : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً)(٢) قيل : عنى بالظاهرة ما تقفون عليها من صحة الأبدان وإدامة الأبصار وتقوية البطش والسعي وإدرار الأرزاق السماوية والأرضية ، والباطنة ما لا يوقف عليها ، وكم في الإنسان من نعمة لا يعرفها ، بل ولا تخطر بباله. قوله : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ)(٣) أي يعلوه ؛ يعني السدّ ؛ يقال : ظهر عليه وظهره أي علاه ، كأنه ركب ظهره. قال النابغة الجعديّ (٤) : [من الطويل]

بلغنا السماء مجدنا وعلاءنا

وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا

أي مصعدا. ولمّا قال الشاميون لابن الزّبير : يا بن ذات النّطاقين ، قال : إيه والاله ، ثمّ أنشد (٥) : [من الطويل]

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

قلت : قد تمثّل رضي الله ببيت أبي ذؤيب الهذليّ ، وهو :

وعيّرها الواشون أنّي أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

أي عال ومرتفع عنك لا يعلق بك. والأجلاف (٦) إنّما عيّروه بشيء كان فيه فخره لأن أمّه أسماء رضي الله عنها لما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبه صاحبه أبوها أرادوا تعليق سفرة كانت معهم فيها بعض زاد فلم يجدوا حبلا ، وكان على رأسها نطاق تتقنّع به فشرطته نصفين

__________________

(١) ٤١ الروم : ٣٠.

(٢) ٢٠ / لقمان : ٣١.

(٣) ٩٧ / الكهف : ١٨.

(٤) وفي الديوان : مجدنا وجدودنا ، وانظر تاريخ الأدب لفروخ : ١ / ٣٤٣.

(٥) ديوان الهذليين : ١ / ٢١.

(٦) الجلف : الأحمق. وفي الأصل : والأجلاف لما ، والتصويب للسياق.

٢٣

تقنّعت بأحدهما وأعطتهم الآخر ، فيا لها من منقبة فاز بها آل أبي بكر وأولاد الزّبير. وقد قالها الخبيث الحجاج لما صلب فلذة كبدها قال : يابن ذات النطاقين. فقال : لو عرفتم ما شأن ذات النطاقين! فمن ثمّ قال عبد الله لأهل الشام ما قال ، وأوقع إنشاده هذا العجز من البليغ.

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً)(١) الظاهر أنه أراد بظهورها رؤية المسافرين إياها ونزولهم بها ذهابا وإيابا. وقيل : هو مثل لأحوال (٢) من تقدّمهم من أهل القرى. وهذا تذكير لأهل مكة ؛ فإنهم كانوا يمرّون في سيرهم إلى الشام بقرى ثمود ولوط ، فنبّههم على الاعتبار بها كما نبّه أهل سبأ على ذلك. قوله : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)(٣) أي لا يطلع. قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(٤) يجوز أن يكون من الغلبة والمعاونة ، أي ليعليه على الدّين كلّه ويغلّبه أيضا ، وأن يكون من البروز وعدم الخفاء. قوله تعالى : (وَحِينَ تُظْهِرُونَ)(٥) أي تدخلون في الظهيرة ؛ وهي وسط النهار وشدة الحرّ. وقيل : تصلون الظهر. ويقال : أظهر وأصبح وأمسى : دخل في هذه الأوقات. وقد جمعت الآية الكريمة بين ذلك كلّه في قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)(٦)(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) الآية (٧).

قوله : (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)(٨) قيل : الظّهر هنا استعارة. والوزر المشار إليه (٩) : العبء الذي حصل له من تحمّل النبوّة ، لا الذّنوب حاشا لله. وذلك أنّ أمر النّبوة ثقيل جدا يعجز عنه البشر من حيث هو بشر لو لا التأييد الإلهيّ والفيض الربّانيّ حتى أطاقها الأنبياء

__________________

(١) ١٨ / سبأ : ٣٤.

(٢) وفي ح : الأحوال.

(٣) ٢٦ / الجن : ٧٢.

(٤) ٣٣ / التوبة : ٩.

(٥) ١٨ / الروم : ٣٠.

(٦) ١٧ / الروم : ٣٠.

(٧) ١٨ / الروم : ٣٠.

(٨) ٣ / الشرح : ٩٤.

(٩) في الآية : ٢ / الشرح : ٩٤.

٢٤

عليهم الصلاة والسّلام ، فقال تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(١) أي وسّعناه لتلقّي الوحي ، وألقينا عنك أعباء النبوة حتى أطقت حملها. ومعنى إنقاض الظهر أن يثقل بالحمل حتى يسمع له نقيض ـ وهو الصوت المنضغط من التقاء الفقارات وتراكبها إذا حمل عليها شيء ثقيل. وفي الحديث : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» (٢) أي ظهور سعة وفضل. قال معمر : قلت لأيوب : ما ظهر غنى؟ قال : عن فضل عيال. وفي حديث أبي موسى : «أنه كساني ثوبين : ظهرانيّا ومعقّدا» (٣). قيل : منسوب إلى ظهران ؛ قرية بالبحرين. وقيل : بل مرّ الظّهران. والمعقّد : برد من برود هجر.

__________________

(١) ١ / الشرح : ٩٣.

(٢) النهاية : ٣ / ١٦٥.

(٣) النهاية : ٣ / ١٦٧. وتمامه : «أنه كسا في كفّارة اليمين ..» وبه يتمّ المعنى.

٢٥

باب العين

فصل العين والباء

ع ب أ :

قوله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي)(١) أي لا يرى لكم قدرا ولا وزنا. يقال : ما عبأت به ، أي لم أقدّره ولم أبال به (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ)(٢) وتضرّعكم. وأصله من العبء وهو الثّقل. وقيل : من عبأت الطّيب : هيّأته. يقال : عبأت الجيش وعبّأته. والمعنى ما يبقيكم. فيجوز أن تكونا لغتين ، وأن يكون عبيت ، تخفيفا. قال مجاهد : ما تفعل؟ قال أبو إسحاق : أيّ وزن لكم عنده لو لا توحيدكم؟ (٣) وفي الحديث : «عبّيّة الجاهلية» (٤) بضمّ العين وكسرها ؛ قيل : ما هي مدّخرة في أنفسهم من حميّة الجاهلية. قيل : من العبء. وقيل : من العب وهو النّور (٥). وأصله عبو فحذف منه كدم.

ع ب ث :

قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً)(٦) العبث : أن يخلط بعمله لعبا ، من قولهم / : عبثت الأقط ، أي خلطته فهو معبوث وعبيث. ومنه العوبثانيّ ، لطعام مختلط من سويق وتمر.

__________________

(١) ٧٧ / الفرقان : ٢٥.

(٢) ٧٧ / الفرقان : ٢٥.

(٣) مذكور في اللسان ـ مادة عبأ.

(٤) الحديث : «إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية» (الترمذي ، تفسير السورة : ٤٩). وتلفظ : عبأة الجاهلية (المفردات : ٣٢٠).

(٥) وكذا رأى ابن الأثير (نهاية غريب الحديث : ٣ / ١٦٩). وهو رأي الأزهري.

(٦) ١١٥ / المؤمنون : ٢٣.

٢٦

ع ب د :

قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)(١) أي نذلّ ونخضع. والعبودية : إظهار التذلّل ، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلّل. ولا تليق إلا بمن له غاية الإفضال كالباري تعالى. والعبد أعمّ من العابد إذ يقال : عبد زيد ولا يقال : عابده. قال بعضهم : عباد الله وعبيد الناس. فيقع الفرق في الجمع. ونقضه بعضهم بقوله : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٢). وللعبد جموع كثيرة (٣) : عباد وعبيد وأعبد وعبدان وعبدان وعبدّاء وعبد وأعابد ومعبوداء ومعبودى وعبدون ومعبدة. وقال الراغب (٤) : وجمع العبد الذي هو مسترق عبيد ، وقيل : عبدّى. وجمع العبد الذي هو العابد عباد. قال : العبيد إذا أضيف إلى الله تعالى أعمّ من العباد. ولهذا قال : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فنبّه أنه لا يظلم من تخصّص بعبادته ومن انتسب إلى غيره من الذين تسّموا بعبد الشمس وعبد اللات. ثم العبد يقال على أنواع :

الأول : عبد بحكم الشارع ، وهو ما يجوز بيعه وشراؤه من الآدميين. ومنه قوله تعالى : (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ)(٥) يعني الذي في الرّقّ.

والثاني : ما يكون عبدا بالإبداع والاختراع وهذا لا يكون إلا لله تعالى إذ هو موجد الأشياء كلّها. وإلى هذا النوع أشار بقوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً)(٦).

__________________

(١) ٥ / الفاتحة : ١.

(٢) ٢٩ / ق : ٥٠.

(٣) جاء في هامش الورقة ٢٣٠ من النسخة ح : عبد في الأصل وصف غلب عليه الاسمية وله عشرون جمعا نظم ابن مالك منها أحد عشر في بيتين ، واستدرك السيوطي عليه الباقي في أخرى. فقال ابن مالك :

عباد وعبيد جمع عبد وأعبد

أعابد معبوداء معبدة عبد

كذلك عبدان وعبدان اثنتا

كذاك العبدى ...

قال السيوطي :

وقد زيد أعباد عبود وعبّده

وخفف بفتح والعبدّان شدّه

وأعبدة عبدون ثمت بعدها

عبدون معبودا بقصر ...

(٤) المفردات : ٣١٩.

(٥) ١٧٨ / البقرة : ٢.

(٦) ٩٣ / مريم : ١٩.

٢٧

الثالث : ما يكون عبدا بخدمته وعبادته واشتغاله بمولاه. وإليه أشار بقوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ)(١)(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)(٢)(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا)(٣) وهذه هي إضافة التشريف. ومنه قول الشاعر : [من السريع]

لا تدعني إلا بيا عبدها

فإنه أشرف أسمائي

الرابع : ما هو عبد للدنيا وأعراضها الفانية ، وهو الحريص عليها المتهالك على حبّها كقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(٤) وإياه قصد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة» (٥). قال الراغب (٦) : وعلى هذا النوع يصحّ أن يقال : ليس كلّ إنسان عبدا لله تعالى ؛ فإنّ العبد على هذا المعنى العابد ، لكن العبد أبلغ من العابد. قلت : فيما قاله نظر من حيث الصناعة اللفظية ، والناس كلّهم عباد الله تعالى ، بل الأشياء كلّها كذلك ؛ بعضها بالتسخير فقط وبعضها به وبالاختيار.

والعبادة على نوعين : نوع بالتّسخير ، وهو الذي يكون عابدا بشهادة حاله وإن تأبّى في الصورة كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(٧). ونوع بالاختيار وهي العبادة التي أمر الله بها الخلق وكلّفهم بها في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)(٨).

قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(٩) أي ليوحّدون ، ولم أخلقهم

__________________

(١) ٤١ / ص : ٣٨.

(٢) ١ / الإسراء : ١٧.

(٣) ٦٥ / الكهف : ١٨.

(٤) ٩٦ / البقرة : ٢.

(٥) صحيح البخاري ، الجهاد : ٧٠.

(٦) المفردات : ٣١٩.

(٧) ١٥ / الرعد : ١٣.

(٨) ٢١ / البقرة : ٢.

(٩) ٥٦ / الذاريات : ٥١.

٢٨

احتياجا إليهم بدليل قوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)(١) وليس المعنى أنه خلقهم مريدا منهم ذلك إذ لو كان كذلك لم يتخلّف عن عبادته منهم أحد لئلا يلزم تخلف مراده. وأنت ترى أكثرهم غير عابديه : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)(٢). ويقال : طريق معبّد ، أي مذلّل بالوطء ؛ قال طرفة بن العبد (٣) : [من البسيط]

[تباري عتاقا ناجيات] وأتبعت

[وظيفا] وظيفا فوق مور معبّد

قوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(٤) أي اتّخذتهم عبيدا وخولا. وقيل : ذلّلتهم ذلّة العبيد. وقيل : كلّفتهم الأعمال الشاقّة التي تكلّف مثلها العبدان. وأنشد (٥) : [من البسيط]

علام يعبدني قومي وقد كثرت

فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان؟

يقال : أعبدته مثل عبدته.

ع ب ر :

قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ)(٦) أي اتّعظوا بهؤلاء فإنّ العاقل من اتّعظ بغيره ؛ ومن ثمّة قيل : ولا تجعلنا موعظة. ومن ثمّ قال تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً)(٧) أي جعلنا تلك الأمّة موعظة يتّعظ بها المتقدّمون (٨) وهم من يسمع أن قوما سيأتون يفعلون كذا فيبتلون بكذا. والمتأخرون وهم من بلغهم خبرهم. والاعتبار : افتعال من العبور وهو المجاوزة ؛ يقال : عبرت النهر : قطعته وجزته من أحد جانبيه إلى الآخر. ومن ثمّ استدلّ (٩) بها مثبّتو القياس : فإنّ القياس عبور من أصل إلى فرع بعلّة جامعة.

__________________

(١) ٥٧ / الذاريات : ٥١.

(٢) ١٠٣ / يوسف : ١٢.

(٣) الديوان : ٢٧ ، والإضافة منه. الوظيف : ما بين الرسغ إلى الركبة. المور : الطريق.

(٤) ٢٢ / الشعراء : ٢٦.

(٥) البيت للفرزدق كما في اللسان ـ مادة عبد ، والتصويب منه. غير أنه غير مذكور في الديوان.

(٦) ٢ / الحشر : ٥٩.

(٧) ٦٦ / البقرة : ٢.

(٨) وفي س : المتقدمون المتأخرون.

(٩) في الأصل : استدلوا.

٢٩

وأصل العبر تجاوز من حال إلى حال. قيل : والعبور مختصّ بتجاوز الماء إما بسباحة أو بسفينة أو بعير أو قنطرة. ومنه عبر النهر لجانبه بحيث يعبر إليه أو منه. واشتقّ منه : عبر العين للدمع. والعبرة كالدمعة. وفلان [عابر سبيل ، قال تعالى](١)(إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ)(٢) أي جائزي طريق في المسجد. ومنه : ناقة عبر الهواجر ، أي تعبرها لجلادتها وصبرها بمعنى عائدة. ومن ثمّ قال النحاة : إنّ الإضافة غير مختصّة. وعبر القوم : ماتوا ؛ نظرا إلى أنهم جاوزوا هذه الدنيا وقنطرتها والعبارة مختصّة بالكلام لأنه عابر في الهواء من لسان المتكلم إلى سمع السّامع.

والعبرة : الدّلالة بالشيء على مثله وحقيقتها الحالة التي يتوصّل بها (٣) من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد. ولهذا خصّت بالخواصّ ، نحو : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)(٤) ، (لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى)(٥). والتعبير مختصّ بتفسير الأحلام والرّؤيا / لأنّ فيه عبورا من ظاهر الرؤيا (٦) إلى باطنها. وقيل : لأنه يجرّ بما يؤول إليه أمرها ؛ مأخوذ من : عبر النهر. إلا أنه لم يسمع في المصدر إلا التعبير ولم يسمع في الفعل غالبا إلا التخفيف. يقال : عبرت الرؤيا أعبرها تعبيرا ، فأنا عابر. فجاء المصدر على غير القياس ، وهو غير الغالب لأنّ الغالب أن تحذف زوائد المصدر لا الفعل نحو : أعطى عطاء ، وأنبت نباتا ، واغتسل غسلا ، وتوضّأ وضوءا. على أنه ورد مشدّدا موافقا لمصدره ؛ قال الشاعر : [من السريع]

رأيت رؤيا ثم عبّرتها

وكنت للأحلام عبّارا

لو لا أنّ (٧) التخفيف لغة التنزيل ، قال تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٨). وهذه

__________________

(١) ساقط من الأصل ، والإضافة من المفردات ، ليتضح المعنى.

(٢) ٤٣ / النساء : ٤.

(٣) الجار والمجرور ساقطان من ح.

(٤) ١٣ / آل عمران : ٣ ، وغيرها. والآية ساقطة من س.

(٥) ٢٦ / النازعات : ٧٩.

(٦) في الأصل : الرؤية.

(٧) ساقطة من ح.

(٨) ٤٣ / يوسف : ١٢.

٣٠

اللام مزيدة في المفعول زيدت تقوية للعامل وسمّاها أبو منصور لام التعقيب ؛ قال : لأنها عقبت الإضافة وهو اصطلاح غريب جدا. قيل : والتعبير أخصّ من التأويل ؛ فإنّ التأويل يقال فيه وفي غيره. قلت : وكذا هو أخصّ من التفسير أيضا.

والعبريّ ، خصّ بما ينبت على عبر النهر. وشطّ معبر : ترك عليه العبريّ. والشّعرى : العبور ، سميت بذلك لأنها تعبر المجرّة ، وهما شعريان ، وقد تقدّم ذلك في باب الشين. وفي حديث أم زرع : «وعبر جارتها» (١) قيل : إنّ ضرّتها إذا رأتها وحسنها أصابها ما يعبّر عينها ، أي يبكيها. وقيل : ترى من عقبها ما تعتبر به. وفي الحديث أيضا : «لطخت بعبير» (٢) هو نوع من الطّيب ؛ قال أبو عبيدة : هو عند أهل الجاهلية الزعفران. قلت : وفيه نظر ، لأنّ في هذا الحديث تعبيرا اللهمّ إلا أن يكون قد طرأ حرف آخر.

ع ب س :

قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى)(٣) أي قطب وجهه. والعبوس : قطوب الوجه لضيق الصّدر. وسببها أنّ ابن أمّ مكتوم جاءه عليه الصلاة والسّلام. قال المفسرون : وعاتب الله نبيّه في هذه الآية ، ولذلك كان يقول عليه الصلاة والسّلام بعدها : «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» (٤) وفي هذا رفع للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فإنّ عتاب السيد لعبده تشريف فكيف من ربّ الأرباب؟ ولله أن يعاتب أنبياءه بما شاء ونحن نقوله تلاوة لا إخبارا. واستعير العبوس للزمان ـ كما استعير له الشدّة والصّعوبة ـ في قوله تعالى : (يَوْماً عَبُوساً)(٥). وباعتبار معناه قيل : العبس لما يبس من البعر على هلب (٦) الذّنب ، أي شعره ، ومنه قولهم : عبس الوسخ على وجهه. وفي الحديث : «أنّه نظر إلى إبل بني فلان وقد عبست في أبوالها» (٧) ، قيل : ولا يكون ذلك

__________________

(١) النهاية : ٣ / ١٧١.

(٢) النهاية : ٣ / ١٧١ ، وفيه «تلطخهما بعبير».

(٣) ١ / عبس : ٨٠.

(٤) أنظر كتب التفسير في سبب نزول الآية.

(٥) ١٠ / الإنسان : ٧٦.

(٦) في الأصل : صلب. والهلب : الشعر كله ، وقيل : هو في الذنب وحده.

(٧) النهاية : ٣ / ١٧١.

٣١

إلا لكثرة شحمها ورعيها فتجفّ أبعارها وأبوالها على أفخاذها. وفي حديث شريح : «كان يردّ بالعبس» (١) يعني يردّ الرقيق (٢) بالبول في الفراش ، إذا كان شيئا كثيرا. وهذا استعارة لأنّ أصله في الإبل كما تقدّم. قال بعضهم : نسب العبوس إلى اليوم لوقوع عبوس الوجوه فيه كقوله : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ)(٣) لوقوع العصف فيه ، وهو حسن.

ع ب ق ر :

قوله تعالى : (وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ)(٤) قال الفراء : الطنافس [الثخان](٥) وقال (٦) مجاهد : من الديباج. وقال أبو عبيدة : هي البسط كلّها. والعبقريّ عندهم : كلّ شيء مستغرب فائق ؛ وتزعم العرب أنّ عبقر قرية تسكنها الجنّ يصنعون بها صنائع عجيبة ؛ فكلّ ما استغربوه واستعظموه نسبوه إلى تلك القرية ؛ فيقولون : عبقريّ. وقال عليه الصلاة والسّلام في حديث المنام عن عمر : «فلم أر عبقريّا يفري فريّه» (٧). قال أبو عبيدة : قال الأصمعيّ : سألت أبا عمرو بن العلاء عن العبقريّ فقال : يقال : هذا عبقريّ قوم ، كقولك : سيد قوم وكبيرهم وقويّهم ونحو ذلك. والجمع عباقريّ ، وقد قرىء بذلك (٨). وقيل : عبقريّ جمع عبقريّة ، يعني اسم جنس. وقيل : هي البسط التي فيها صور وتماثيل ، ووصفها بالجمع يدلّ على أنها اسم جنس.

__________________

(١) النهاية : ٣ / ١٧٢ ، وفيه : «من العبس».

(٢) يريد العبد البوّال في فراشه.

(٣) ١٨ / إبراهيم : ١٤.

(٤) ٧٦ / الرحمن : ٥٥.

(٥) بياض في ح ، وموصول في س. والإضافة من معاني القرآن : ٣ / ١٢٠.

(٦) الفعل ساقط من ح.

(٧) النهاية : ٣ / ١٧٣.

(٨) وهذا لا يجوز لأن المنسوب لا يجمع على نسبته ولا سيما الرباعي. ويقول ابن الأثير عن معاذ بن مسلم : وأما عباقري فلا ؛ لأن ألف الجمع لا يكون بعدها أربعة أحرف ولا ثلاثة صحاح (معاني القرآن : ٣ / ١٢٠).

٣٢

فصل العين والتاء

ع ت ب :

قوله تعالى : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)(١) أي وإن يستقيلوا ربّهم بردّهم إلى الدنيا مّما هم فيه من العذاب لم يقلهم. يقال : عتب عليه يعتب : إذا وجد عليه ، فإذا فاوضه فيما عتب عليه قيل : عاتبه فإذا رجع إلى ... (٢) فقد أعتب. والاسم العتبى وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب. ومن أمثالهم : «لك العتبى بأن لا رضيت» (٣) قال الهرويّ : يضرب مثلا للرجل يعاتب صاحبه في أمر نقمه عليه ، فيعارضه بخلاف ما يرضيه. وفي هذا التفسير نظر لأنه ورد في الحديث : «لك العتبى حتّى ترضى» (٤) أي لك العتب عليّ حتى ترضى فيه. وقرىء : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) بالبناء للمفعول «فما هم من المعتبين ـ اسم فاعل» (٥) أي إن أقالهم وردّهم إلى الدّنيا عادوا ، وإلا خبث ما كانوا ولم يعملوا بطاعته كقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ)(٦). قال بعضهم : وأصل ذلك كلّه من العتب وهو كلّ مكان ناب بنازله. ومنه قيل للمرقاة ولأسكفّة الباب عتبة ، وكنّي بها عن المرأة فيما روي [أنّ](٧) إبراهيم عليه‌السلام [قال](٨) لامرأة إسماعيل : قولي لزوجك : غيّر عتبة بابك. فاستعير العتب والمعتبة لغلظة يجدها الإنسان في نفسه على غيره وبحسبه. قيل : خشنت بصدر فلان ، ووجد في صدره غلظة. ومنه قيل : حمل فلان على عتبة صعبة ، أي

__________________

(١) ٢٤ / فصلت : ٤١.

(٢) بياض في الأصل وغير مقروءة في م.

(٣) المستقصى : ٢ / ٢٩٠. ويقول الزمخشري : أي أعتبتك بخلاف رضاك ، والمعنى تفعل ما تكرهه ولا ترضيه.

(٤) حياة الصحابة : ١ / ٢٧٠.

(٥) قراءة عمرو بن عبيد (مختصر الشواذ : ١٣٣).

(٦) ٢٨ / الأنعام : ٦.

(٧) إضافة يتطلبها السياق.

(٨) إضافة يتطلبها السياق.

٣٣

حالة شاقّة. ومنه قولهم : أعتبت (١) فلانا ، أي أبرزت له الغلظة التي وجدت له في الصدر. وأعتبت (٢) فلانا : حملته على العتب. وأعتبته : أزلت عتبه نحو أسكتّه. ومنه قوله : (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي من المزال عتابهم. والاستعتاب : أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب.

يقال : استعتبت فلانا ، قال تعالى : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) وقال أيضا : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)(٣). قال : ويقال أيضا : لك العتبى ، وهو إزالة ما لأجله يعتب ، وبينهم أعتوبة ، أي ما يعاتبون به. ويقال : عتبت عتبانا : إذا مشيت على رجل مشي المرتقي درجة. ومنه استعير : عتبت الدابّة تعتب وتعتب : مشت على ثلاث قوائم ورفعت الرابعة (٤). ويروى : عنت من العنت وهو المشقّة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وفي الحديث : «أولئك لا يعاتبون» (٥) لعظم ذنبهم.

ع ت د :

قوله تعالى : (أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً)(٦) أي أحضرنا. ومنه قوله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٧) أي حاضر ومحضر ، يعني أنه مكتوب محصى محضر. وقيل : العتيد : المعتدّ (٨) ، وأصله من العتاد وهو ادّخار الشيء قبل الحاجة [إليه](٩). ومنه : (رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(١٠) أي يعتدّ أعمال العباد. وقيل : (أَعْتَدْنا) أعددنا ، فأبدل من إحدى الدالين تاء.

__________________

(١) في ح : عتبت ، وفي س : عتب. والسياق يتطلب ما ذكرنا.

(٢) في الأصل : وآعتب.

(٣) ٨٤ / النحل : ١٦ ، وغيرها.

(٤) ويقول ابن منظور (مادة ـ عتب) : وكذلك الإنسان إذا وثب برجل واحدة ورفع الأخرى.

(٥) النهاية : ٣ / ١٧٥. وفي الأصل : « .. لا يعتبون».

(٦) ٢٩ / الكهف : ١٨.

(٧) ٢٣ / ق : ٥٠.

(٨) وفي الأصل : المعدّ.

(٩) إضافة للسياق.

(١٠) ١٨ / ق : ٥٠.

٣٤

وفرس عتد وعتيد (١) : حاضر للعدو. والعتود من أولاد المعز ، وجمعه أعتدة وعدّان بالإدغام. وقيل : العتاد : الثابت اللازم. فمعنى «أعتدنا» أي أثبتنا وحصّلنا وجعلناه أمرا مستقراّ. وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «لكلّ حال عنده عتاد» أي عتدة. وقيل : أعتدة ، فهو عتيد بمعنى أحكمته فهو حكيم. وفي الحديث : «أنّ خالدا جعل رقيقه وأعتده حبسا في سبيل الله» (٢) هو جمع عتاد أيضا ، وهو ما جعله الرجل عدّة من السلاح والجمع أعتدة (٣).

ع ت ق :

قوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(٤) قيل : سمي بذلك لأنه معتق من الجبارين ، لم يقصده جبار إلا قصم. وقيل : لأنه معتق من الطوفان. وقيل : لأنه مقدّم ، يدلّ على ذلك قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) الآية (٥) وأصله التقدّم في الزمان أو المكان أو الرّتبة. ومن ثمّ قيل للقديم : عتيق. ولكلّ من خلا من رقّ ملك : عتيق. والعاتق : ما بين المنكبين ، وذلك لارتفاعه على سائر الجسد. والعاتق أيضا : الجارية التي عنست ، وذلك لأنها كأنها عتقت عن الزواج تخيلا أنّ المتزوجة في رقّ الزواج. وقيل : هي حين تدرك. وفي الحديث : «خرجت أمّ كلثوم وهي عاتق فقبل هجرتها» (٦) فسّر بالبلوغ. وعتق الفرس : تقدّم بسبقه. وعتق (٧) مني يمين ، أي سبقت. وأنشد لأوس بن حجر (٨) : [من الوافر]

عليّ أليّة عتقت قديما

فليس لها ، وإن طلبت ، مرام

 __________________

(١) الاتنتان عتد في الأصل.

(٢) النهاية : ٣ / ١٧٦.

(٣) يقصد : وتجمع أيضا على أعتدة ، لأن اللفظة في الحديث جمع.

(٤) ٢٩ / الحج : ٢٢.

(٥) ٩٦ / آل عمران : ٣.

(٦) النهاية : ٣ / ١٧٨ ، وفي الأصل : فقبلت. وفي اللسان : قبل. وأم كلثوم هي بنت عقبة.

(٧) الصواب أن يقول : عتقت.

(٨) البيت في اللسان ـ مادة عتق. وصوبنا البيت منه. ومذكور في المفردات : ٣٢١.

٣٥

ع ت ل :

قوله تعالى : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ)(١) أي احملوه بعنف وسوقوه سوقا شديدا. والعتل : الأخذ بمجامع الشيء وجرّه بقهر كعتل البعير ونحوه. وقيل : معناه ادفعوه دفعا بعنف. قوله : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ)(٢). العتلّ : هو الشديد الخصومة الجافي الضريبة اللئيم. وقال ابن عرفة : هو الفظّ الغليظ الذي لا ينقاد لخير. وقيل : هو الجافي الغليظ. وقيل : الأكول المنوع ، لأنه يعتل الماء عتلا.

ع ت و :

قوله تعالى : (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً)(٣) العتوّ : أشدّ الفساد. وأصله النّبوّ عن طاعة الآمر. ـ يقال : عتا يعتو عتوّا وعتيا. وقيل : العتوّ : المبالغة في ركوب المعاصي والتمرد فيها ، والعاتي من اتّصف بذلك فلم تنفع فيه موعظة ولم ينجع فيه إنذار. قوله : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ)(٤) أي متجاوزة حدّها الأول. وكلّ أمر شديد ؛ قوله : (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا)(٥) أي حالة لا سبيل إلى إصلاحها بالنسبة لضعفي ومداواته إلى رياضته. وهي الحالة المشار إليها بقول الشاعر (٦) : [من الكامل]

ومن العناء رياضة الهرم

وقيل : عتيا طويلا. يقال : ليل عات ، أي طويل. وأنشد لجرير (٧) : [من الوافر]

وحطّ المنقريّ بها فحطّت

على أمّ القفا والليل عات

__________________

(١) ٤٧ / الدخان : ٤٤.

(٢) ١٣ / القلم : ٦٨.

(٣) ٢١ / الفرقان : ٢٥.

(٤) ٦ / الحاقة : ٦٩.

(٥) ٨ / مريم : ١٩.

(٦) مذكور في المفردات : ٣٢١.

(٧) من قصيدة في هجاء الزبرقان. وفي الديوان : بها فقرّت.

٣٦

وكلّ من انتهى شبابه يقال فيه : عتا عتوّا وعتيا وعتيا ، وعتا عتوّا وعتيا ، وحسا حسوّا وحسيّا وحسا (١) كلّه بمعنى يبس جلده ، وهو كناية عن طول العمر لأنّ ذلك يلازمه. قوله : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا)(٢) الظاهر أنه مصدر. وقيل : هو جمع عات ، وفيه نظر من حيث الإعراب والمعنى وبيانهما في غير هذا ، إلا أن الجمع الإعلال وفي المصدر التّصحيح. يقال : عتا زيد عتوّا. والقوم عتيّ ويجوز العكس.

فصل العين والثاء

ع ث ر :

قوله تعالى : (فَإِنْ عُثِرَ)(٣) أي اطّلع. يقال : عثرت على فلان ، أي اطّلعت عليه. ـ وأعثرث عثرا عليه ، أي أطلعته. قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ)(٤) أي أطلعنا الناس عليهم ليتّعظوا بهم. وأصل ذلك من عثر الرجل يعثر عثارا وعثورا ، أي سقط من شيء يصيب رجله ، ثم تجوّز به عن الاطّلاع ، كأنّ المطّلع عثر على حقيقة ذلك الأمر وصادفه برجله. فقوله : (أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) أي أوقفناهم عليهم من غير أن يطلبوا ذلك.

والعاثور : الهلكة ، والجمع العواثير. ومنه الحديث «من بغى قريشا العواثير كبّه الله على منخريه» (٥) ، ويروى العاثر (٦) وهو حبالة الصائد. وأنشد لأبي وجزة : [من البسيط]

عان تعلقّه من حبّ غانية

قذّافة عاثر في الكعب مقصور

وذلك أنّ الحبالة يعثر فيها من علق بها. والعاثور أصله ما يحتفر من سية النهر يسقى به

__________________

(١) الحسي : ما تنشفه الأرض من الرمل ، فإذا صار إلى صلابة أمسكته فتحفر عنه الرمل فتستخرجه.

(٢) ٦٩ / مريم : ١٩.

(٣) ١٠٧ / المائدة : ٥.

(٤) ٢١ / الكهف : ١٨.

(٥) النهاية : ٣ / ١٨٢ ، وفيه : « ... كبه لمنخريه».

(٦) العاثر جمعها العواثر.

٣٧

البعل من النخل ، لأنه أيضا نخل العثار ، ومنه : وقع فلان في عاثور شرّ وعافور شرّ ويقال : جدّ عاثرّ أي حظّ ناقص ، وأنشد (١) : [من الطويل]

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا (٢)

صروف الليالي والجدود العواثر

ع ث و :

قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(٣) قال الهرويّ : أي لا تفسدوا فيها.

يقال : عثت تعثى (٤) لغة الحجاز في عاث يعيث عيثا ، أي أفسد. قلت : وعلى هذا فقوله : (مُفْسِدِينَ) حال مؤكّدة. وظاهر كلامه أنه ليس مقلوبا منه. قال الراغب (٥) : والعثيّ والعيث يتقاربان ، نحو جذب وجبذ ، إلا أنّ العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسّا ، والعثيّ فيما يدرك حكما. يقال : عثي يعثى عثيا ، وعلى هذا قوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ) ، وعثا يعثوا عثوّا. قلت : وعلى هذا فيكون عتا بالمثنّاة والمثلّثة بمعنى واحد. والأعثى : هو الأحمق الثقيل. وهو أيضا لون يضرب إلى السواد.

__________________

(١) البيتان لعمرو بن الحرث بن مضاض يتأسف على البيت ، ويروى للحرث الجرهمي. والبيتان مذكوران في اللسان.

(٢) جاء في هامش النسختين رواية أخرى وهي «فأصابنا».

(٣) ٦٠ / البقرة : ٢.

(٤) وفي الأصل : أعثى.

(٥) المفردات : ٣٢٢.

٣٨

فصل العين والجيم

ع ج ب :

قوله تعالى : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ)(١). العجب والتّعجّب : حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء. وقال بعضهم : التعجب زيادة في وصف الفاعل خفي سببها ، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره. وعلى هذا فلا يسند إلى الباري تعالى لاستحالة ذلك عليه تعالى ، فإن ورد ما ظاهره خلاف ذلك وجب تأويله كقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(٢) ، (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(٣) ، (بَلْ عَجِبْتَ)(٤) في قراءة ضمّ التاء على معنى حال هؤلاء حال من يقال فيه ذلك (٥). وقد ورد في الحديث : «عجب ربّكم» (٦) من كذا ، وهو مؤوّل على معنى يليق بجلاله. قال بعضهم : كما أسند إليه المجيء والإتيان بمعنى يليق به لا على ما نتعارفه. وقيل : قوله : «عجبت» إنه مستعار بمعنى أنكرت كقوله تعالى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(٧) قاله الراغب (٨) : وفيه نظر. وقيل : معنى «عجب ربّكم» عظم ذلك عنده وكبر. وقيل : معناه أثاب ورضي كقوله : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ)(٩) يعني سمّى جزاءه عجبا تنبيه أنهم قد عهدوا مثل ذلك قبل.

__________________

(١) ٥ / الرعد : ١٣.

(٢) ١٧٥ / البقرة : ٢.

(٣) ٣٨ / مريم : ١٩.

(٤) ١٢ / الصافات : ٣٧.

(٥) قرأها الناس بنصب التاء ورفعها ـ الرفع لحمزة والكسائي وخلف ، والفتح لغيرهم ـ. ويقول الفراء : والرفع أحبّ إليّ لأنها قراءة علي وابن مسعود وابن عباس (معاني القرآن : ٢ / ٣٨٤).

(٦) يقول ابن الأثير : وإطلاق التعجب على الله مجاز لأنه لا تخفى عليه أسباب الأشياء (النهاية : ٣ / ١٨٤).

(٧) ٧٣ / هود : ١١.

(٨) المفردات : ٣٢٢.

(٩) ٣٠ / الأنفال : ٨.

٣٩

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً)(١) معناه ليس ذلك في نهاية العجب ؛ فإنّ في آياتنا ما هو أعجب منهم. قوله تعالى : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً)(٢) لأنه لم يعهدوا مثله ، (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) أي هذا محلّ التعجب وهو إنكارهم البعث مع ظهور دلائله وسطوع براهينه ، من نصب الأدلّة الظاهرة كخلق السماوات والأرض ، وما أوجد فيهما من بديع الصنعة والمخلوقات.

ع ج ز :

قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(٣). الأعجاز جمع عجز وهو في الأصل مؤخّر الإنسان ثم شبّه مؤخر غيره به. وقوله : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ)(٤) أي قصرت ولم أقدر. فحقيقة العجز التأخر عن الشيء وحصوله عن عجز الأمر أي مؤخّره. كما ذكر في الدّبر ثم عبّر به في العرف عن القصور عن فعل الشيء (٥) ، وهو ضدّ القدرة. وقوله : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ)(٦) وقرىء «معجّزين» (٧). يقال : عاجزته وأعجزته : جعلته عاجزا. وقيل : (مُعاجِزِينَ) معناه ظانّين مقدّرين أنهم يعجزوننا لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور ، فلا يكون ثواب وعقاب ، وهو في المعنى كقوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا)(٨). وقيل : معاجزين للأنبياء وأولياء الله تعالى يمانعونهم ويقاتلونهم ليصدّوهم عن أمر الله. وقيل : معناه معاندين. وقيل : سابقين ، أي يظنّون أنهم يفوتوننا. و «معجّزين» ينسبون من تبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى العجز ، وهو كقولك : ـ

__________________

(١) ٩ / الكهف : ١٨.

(٢) ١ / الجن : ٧٢.

(٣) ٧ / الحاقة : ٦٩.

(٤) ٣١ / المائدة : ٥.

(٥) الكلمة ساقطة من س.

(٦) ٥١ / الحج : ٢٢ ، وغيرها.

(٧) يقول الفراء : قراءة العوامّ «معاجزين» ، ومعنى معاجزين معاندين ، وقرأ عبد الله بن الزبير «معجّزين» يقول : مثبّطين.

(٨) ٤ / العنكبوت : ٢٩.

٤٠